أنتم هنا : الرئيسيةهل الذاكرة قابلة للإنصهار في الفن!؟

النشرة الإخبارية

المستجدات

19-04-2024

الدار البيضاء-سلطات: ورشة تفاعلية لتحديد الحاجيات الكفيلة بدعم قدرات الجمعيات (...)

اقرأ المزيد

14-03-2024

المجلس الوطني لحقوق الإنسان يؤكد بجنيف على ضرورة عقد لقاءات تشاورية مع الأطفال (...)

اقرأ المزيد

13-03-2024

التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان يعبر بجنيف عن دعمه للمقاربة (...)

اقرأ المزيد
الاطلاع على كل المستجدات
  • تصغير
  • تكبير

هل الذاكرة قابلة للإنصهار في الفن!؟

كل مرة أفكر فيها كمخرج في موضوع الذاكرة والأرشيف، أتساءل في دواخلي عما إذا كان من محض الصدفة أن أدرجت لغة موليير في هاتين الكلمتين لفظة فن "Art": « Art-chives » "فن-شيف" أو« mémoi-Art » "ذاكرة-فن"!؟ ولكن دون معرفة مسبقة حول ما معنى ذلك حسب معجم ليتري لعلم الاشتقاق، فأنا مقتنع منذ وقت طويل بالحركية السلسة بين الفن والذاكرة؛ بين الإبداع والأرشيف! كما أنني مقتنع بالأهمية الكبرى التي تكتسيها هذه الحركية في التوازن الهيكلي لأمة ما.

ولسوء الحظ، فإننا نعتبر هذا المعطى مرة أخرى من التفاصيل أو بالأحرى ترفا يمكن تأجيله إلى زمن لا وجود له! ونحن نعلم جيدا منذ زمن الإغريق أو عهد سقراط الذي يعتبر أن "التعلم هو التذكر من جديد..." أن الذاكرة هي مستقبل البشرية! ومنذ آنذاك، أكدت الفلسفة الحديثة أن للذاكرة وظيفة نفسية كبرى "لا يمكن أن تنفصل عن الوعي بالذات ولا يمكن أن تنفصل عن الخيال وتضمن وحدة الذات...". وينطبق هذا التعريف على الذاكرة الفردية والذاكرة الجماعية لأنهما مترابطتان بشكل وثيق. ومع ذلك، فإن هذه الذاكرة الخزان ليست قادرة دائما على حفظ الذكريات دون أن تفقد بعضا منها أو تشوهها عن قصد أو عن غير قصد. لقد قرأت مرة أن الأرشيف هو عيون الذاكرة! أو ربما العيون التي تحتاجها الذاكرة كي تجد لكل ذكرى طريقها الخاص نحو المستقبل؟

وربما تتساءلون عن موقع الفن من كل هذا! وقبل أن أجيب على ذلك، ينبغي أولا أن نتفق على معنى كلمة "أرشيف"! لو كان الحيز المخصص لهذه المقالة يسمح بذلك لسردت لكم مجموعة من القصص التي أصبح فيها الأرشيف فنا والعكس صحيح؛ قصص أرشيف يراها البعض ذاكرة ويراها البعض الآخر فنا... لنأخذ على سبيل المثال الرسومات المنحوتة على الصخور، فجل الفرضيات تنتهي إلى أن الأمر يتعلق بأحداث الساعة التي تتعلق بشخصيات مشهورة نقشت على الصخور من أجل الذاكرة. ونعلم بعد ذلك الدور الحيوي الذي لعبته "صور الساعة" تلك لتنوير البشرية حول ذاكرتها البعيدة، ونعلم أيضا الدينامية التي بعثها اكتشاف هذا "الأرشيف المرئي" في الفن وفي الإبداع المعاصر. وغير بعيد منا، نجد حالات معاكسة أصبح فيها الفن أرشيفا... ويتعلق الأمر هنا على وجه الخصوص بشعوب التقاليد الشفوية! أية ذاكرة كانت ستصلنا من الهنود دون أغانيهم وطوطمهم؟ ما الذي كنا سنعرفه عن تاريخ الرحل الأفارقة دون رقصاتهم وأقنعتهم؟ هذه الأقنعة التي أصبحت هي "عيون الذاكرة" من أجل فهم أفضل لطريق المستقبل.

إن مصطلح "أرشيف" يحيل إذن على كل أثر تركه الإنسان مهما كان صنفه: صوتا أو كتابة أو صورة أو رسما أو نقشا أو نحتا أو رقصة أو أغنية... إن هذه الأصناف هي "عيون الذاكرة" التي يتغذى منها الفن من أجل إنقاذ جزء من الذاكرة من النسيان. وهذا يدحض فكرة شائعة لدى العديد من الناس بما في ذلك بعض الفنانين الذين يعتقدون أن الإبداع وبالتالي الخيال موهبة فطرية! بيد أن الفعل "Imaginer" "تخيل" في اللغة الفرنسية وفي جل اللغات التي أعرفها ينحدر من كلمة "Image" "صورة"! وهذا ما يعني أننا لا نتخيل إلا انطلاقا من تذكر صور تستقر في ذاكرتنا، كل حسب أصوله وحسب سيرته الذاتية. وتتفاوت درجة الإبداع في خيالنا حسب الحريات والوسائل التي نسخرها لتشغيل ذاكرتنا والالتحام معها. لنأخذ مثلا حالة قريبة منا، وهي الإبداع خلال سنوات الرصاص. لا أعتقد أن الإنتاج الفني الذي تلى المرحلة هو النتيجة الوحيدة للتسامح الذي اعتمده العهد الجديد؛ أعتقد أن هناك العديد من الشهادات لفناني تلك المرحلة. إن هذه الشهادات المتعددة والتي بثت على الإذاعة والتلفزيون وتم التكفل بها كلها لا يمكن إلا أن تحفز على الإبداع رغم أن النظام لم يكن يسمح بذلك! وما هذه إلا بداية متواضعة... إن هذه الشهادات المكتوبة والشفهية وعلى رأسها جلسات الاستماع العمومية التي نظمتها هيئة الإنصاف والمصالحة أداة ستستمر لوقت طويل في التحفيز على الخيال وإلهام الإبداع المحلي والأجنبي. وبعد ذلك سيتحول الفن المنبثق منها إلى "أرشيف" من شأنه أن يكون نبراسا في المستقبل. فقبل أن أكون مخرجا، كنت طفلا مغربيا أثرت في رغما عني تقلبات هذه المرحلة. وبالتالي فإن هذا الأرشيف هو المحرك الأساسي لخيالي كمخرج. سأستمر إذن في الحلم على غرار مجموعة من الفنانين والباحثين المغاربة بالتأكيد بحلول زمن قريب يكون فيه باستطاعتنا الاطلاع على هذا الأرشيف واستعماله... سأستمر في تخيل فضاء أو مؤسسة تسمح لنا بذلك كما هو الحال في كل دولة متحضرة، حيث يمكننا أن نشكل جسدا واحدا مع "عيون ذاكرتنا".

بقلم علي الصافي، مخرج

أعلى الصفحة