أنتم هنا : الرئيسيةعقوبة الإعدام و كرامة الإنسان وحريته

النشرة الإخبارية

المستجدات

24-04-2024

اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الدار البيضاء-سطات تعقد اجتماعها العادي الحادي (...)

اقرأ المزيد

19-04-2024

الدار البيضاء-سطات: ورشة تفاعلية لتحديد الحاجيات الكفيلة بدعم قدرات الجمعيات (...)

اقرأ المزيد

14-03-2024

المجلس الوطني لحقوق الإنسان يؤكد بجنيف على ضرورة عقد لقاءات تشاورية مع الأطفال (...)

اقرأ المزيد
الاطلاع على كل المستجدات
  • تصغير
  • تكبير

عقوبة الإعدام و كرامة الإنسان وحريته

باتفاق جميع المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في العالم وتماشيا مع التطورات الأخيرة التي عرفها القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن عقوبة الإعدام تتناقض مع روح مفاهيم الكرامة والحرية الإنسانية. فضلا عن ذلك، أثبتت هذه العقوبة حتى الآن عدم جدواها كوسيلة للردع. ولهذا السبب، فإن الإبقاء على عقوبة الإعدام لا يمكن تبريره لا بالمبادئ ولا بالاعتبارات المنفعية.

1- عقوبة الإعدام تتناقض مع كرامة الكائن البشري وحريته

في جميع المجتمعات المنظمة على المستوى السياسي، أصبحت حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية معترفا بها دوليا كمبادئ سامية ومعايير مطلقة. غير أن عقوبة الإعدام تتناقض بشكل مباشر مع هذه المسلمة الأساسية وترتكز على مفهوم خاطئ للعدالة.

إن العدالة ترتكز على الحرية والكرامة: إن السبب الذي يقف وراء إمكانية أو وجوب معاقبة الجانح هو أنه يرتكب عمدا عملا يخل بالنظام العام. وهذا هو السبب الذي لا يمكن من أجله متابعة الأطفال أو الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية عن أعمالهم الإجرامية. وهكذا فإن عقوبة الإعدام تنطوي على تناقضات: فأثناء النطق بالحكم وعندما تثبت إدانة المتهم لأنه تصرف عن قصد وعن وعي، فإننا ننكر له هذه الحرية نفسها ما دامت عقوبة الإعدام تتميز بعدم الرجعية. فحرية الإنسان تحيل كذلك على إمكانية كل فرد في تغيير مجرى وجوده وتحسينه.

إن عدم رجعية عقوبة الإعدام يدحض الفكرة التي تفيد أن إعادة تأهيل المجرمين وإدماجهم في المجتمع أمر ممكن. وبالتالي فهي تتناقض بكل بساطة مع مفهومي الحرية والكرامة.

في الأنظمة القضائية الأكثر تعقيدا والمتجانسة مع الضمانات الموثوق بها، لا تزال الأخطاء القضائية موجودة. ويمكن أن تتسبب عقوبة الإعدام دائما إلى إعدام أشخاص أبرياء. وهذا هو السبب بالضبط الذي جعل حاكم ولاية إيلينوي الأمريكية، جورج ريان، يقرر فرض الوقف الاختياري لتنفيذ عقوبة الإعدام بعدما اكتشف أن 13 سجينا كانوا ينتظرون تنفيذ العقوبة في حقهم كانوا أبرياء من الجرائم المنسوبة إليهم. وهذا هو السبب أيضا الذي جعله يقرر في شهر يناير 2003 التخفيف من 167 حكما بالإعدام وتحويلها إلى سجن مؤبد. وقد أشار تقرير اللجنة المكلفة بالملف أنه اعتبارا لطبيعة الإنسان وضعفه، لا يمكن صياغة أو بناء أي نظام بطريقة يعمل من خلالها بشكل تام ويضمن بشكل كلي عدم محاكمة أي شخص بريء بالإعدام. وفي هذا الصدد قال وزير العدل الفرنسي السابق، روبير بادينتر، سنة 1981 إن المجتمع كافة والذي باسمه صدر الحكم يصبح متهما بشكل جماعي لأن نظامه القضائي جعل الظلم الشديد أمرا ممكنا. وبالنسبة للمجتمع كافة، فإن قبول إمكانية إعدام الأبرياء تتناقض مباشرة مع المبدأ الأساسي للكرامة الإنسانية المشروعة ومع مفهوم العدالة نفسها.

إن العدالة تتأسس على الضمانات التي توفرها حقوق الإنسان: إن الطبيعة المميزة لنظام قضائي موثوق به هي توفره على ضمانات واردة في الصكوك الدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك الضمانات المترتبة عن الحق في المحاكمة العادلة التي تضم على سبيل المثال رفض الحجج التي يتم الحصول عليها عن طريق التعذيب أو المعاملات الأخرى اللاإنسانية والمهينة. وفي هذا الصدد، فإن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان مقتنعة أن احترام هذه الضمانات ورفض جميع أشكال العنف المنصوص عليها في القانون أمران هامان لتأسيس مصداقية كل نظام جنائي. فلا يجب تأسيس العدالة على الصدفة أو الثروة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالجرائم الأكثر خطورة وعندما تكون الحياة في خطر. فلا يجب أن تعتمد حياة الفرد على عناصر صدفوية من قبل اختيار هيئة المحلفين وضغط وسائل الإعلام واختصاص محامي الدفاع ...إلخ. إن رفض الأحكام اللاإنسانية وعلى رأسها عقوبة الإعدام يساهم بشكل حاسم في بناء نظام قضائي على المبادئ المقبولة دوليا، حيث الانتقام لا مكان له والذي يمكن للمجتمع أن يضع ثقته فيه.

ويحيل مفهوم أروقة الموت على ظروف اعتقال شخص محكوم عليه بالإعدام وينتظر تنفيذ هذه العقوبة في حقه. إن هذه الظروف غالبا ما تكون شبيهة بمعاملة لاإنسانية ومهينة: العزلة التامة في زنازن انفرادية وعدم التأكد من يوم تنفيذ عقوبة الإعدام وغياب التواصل مع الفضاء الخارجي بما في ذلك أفراد العائلة والمحامي أحيانا.

تختلف العدالة اختلافا جوهريا عن الانتقام. فعقوبة الإعدام ليست سوى موروثا لنظام قديم يرتكز على الانتقام الذي يستلزم الاقتصاص بنفس الطريقة من الشخص الذي تسبب في القتل. لكن الإشكال الذي يطرح هو هل سنسرق السارق ونعذب المسؤول عن التعذيب ونغتصب المغتصب...إلخ. إن العدالة ترتقي بنفسها عن هذا المفهوم التقليدي للعقاب من خلال اعتماد مبدأ العقاب الرمزي والمتناسب مع الضرر الناجم عن الجريمة: الغرامة والسجن ، إلخ. فهذا المبدأ يحفظ كرامة الضحية والمتهم معا.

علاوة على ذلك، من الصعب تصديق الحجة التي تفيد بأن عقوبة الإعدام ستكون ضرورية بالنسبة للضحايا وأقربائهم. ففي النظام القضائي العادل والمنصف، يبقى حق الضحايا في الإنصاف والتعويض أمرا ضروريا. ويلعب التأكيد العام والرسمي من قبل المحكمة لمسؤولية المجرم ومعاناة الضحايا دورا أساسيا ويعوض عن الحاجة إلى الانتقام (الحقيقة القضائية). ومع ذلك فإن الرد على هذا الإنصاف بعقوبة الإعدام لن يساهم إلا في تهدين المشاعر الغريزية ولن يخدم قضية العدالة والكرامة في كليتها، ولن يخدم كرامة الضحايا على وجه الخصوص. وعلى عكس ذلك، تكون كرامة الضحية مصانة بشكل أفضل إذا ما استبعدنا الانتقام. وتساهم صفة الطرف المدني التي تعطى للضحية في القضية الجنائية في الاستجابة لحاجاته التي لا تقاوم لأن يعترف به على ذاك النحو. إن تقديم الدعم النفسي للضحايا والتعويض المالي يساهم كذلك في منحهم شعورا بأن العدالة قد تحققت وأن الانتقام الشخصي ليس ضروريا ولن يضيف أي جديد. وعلى ضوء هذه المعطيات، يمكن أن نستنتج أن تبرير عقوبة الإعدام بالحاجة إلى انتقام الضحايا ليس له صلة بالموضوع.

وأخيرا يمكن أن نسجل أن عقوبة الإعدام تمارس بطريقة تمييزية. ففي الولايات المتحدة مثلا تستهدف هذه العقوبة خصوصا الأقليات العرقية وفي المملكة العربية السعودية ينحدر أغلب الضحايا من خارج البلاد.

2- عقوبة الإعدام عقوبة غير مجدية

إن جدوى عقوبة الإعدام هي من بين الدلائل التي تقدم للدفاع عنها، حيث يفترض في عقوبة الإعدام أن تتوخى حماية المجتمع من عناصره الأكثر خطورة وتعمل على ردع المجرمين مستقبلا. إلا أنه غالبا ما تبث بطلان هذه البراهين.

هل توفر عقوبة الإعدام الحماية للمجتمع؟ لا يبدو ذلك. إن المجتمعات التي تعتمد عقوبة الإعدام في تشريعاتها ليست محمية ضد الجرائم بشكل أفضل من تلك التي لا تعتمدها. فضلا عن ذلك، فإن بعض العقوبات تسمح ببلوغ نفس الهدف وخصوصا السجن أي أن حماية المجتمع لا تعني القضاء على المجرمين. فضلا عن ذلك، يمكن أن نستدل بالفكرة التي تفيد أن الاحتياطات المتخذة من أجل تفادي إقدام المحكوم عليهم بعقوبة الإعدام على الانتحار تبين أن التصفية الجسدية ليست هي الغاية الأساسية المتوخاة من عقوبة الإعدام. بل إن الرهان يتمثل في تطبيق عقوبة ضد إرادة المجرم.

وفي ما يخص العبرة من عقوبة الإعدام أو العقوبات الأخرى القاسية، ثبت أن فعالية هذه العقوبات من حيث الردع كانت دائما خديعة. فكل الدراسات المنهجية تبين أن عقوبة الإعدام لا تساهم أبدا في التخفيف من نسبة الجريمة بغض النظر عن مكان وقوعها. فعلى سبيل المثال، انخفضت نسبة القتل في كندا بالنسبة لمائة ألف شخص من 3,9 سنة 1975 أي سنة قبل إلغاء عقوبة الإعدام إلى 2,41 سنة 1980. وبالنسبة لسنة 2000، وفي الوقت الذي أفادت الشرطة الأمريكية أن عدد جرائم القتل بلغ 5,5 بالنسبة لمائة ألف شخص، بلغت النسبة في كندا 1,8.

وخلصت أحدث دراسة في الموضوع أجراها السيد روبيرت هود سنة 1988 لفائدة الأمم المتحدة وتم تحيينها سنة 2002 إلى أنه كون الإحصائيات ما تزال تسير في نفس الاتجاه يبرهن بطريقة مقنعة على أن البلدان لا يجب أن تتخوف من حدوث تغيرات مفاجئة وخطيرة في منحى الجريمة إذا ما قللت اعتمادها على تطبيق عقوبة الإعدام.

وهذا ليس أمرا مفاجئا، فالمجرم لا يرتكب عمله الإجرامي ويضع في الحسبان العقوبة الممكنة ويتوقع بأن العقوبة التي ستنزل في حقه هي الحبس المؤبد وليس الإعدام. وقد أشار باكاريا في نهاية القرن 18 إلى أنه من غير المعقول أن القوانين التي هي تعبير عن الإرادة العامة وتمقت القتل وتعاقب عليه أن ترتكب هي نفسها جريمة قتل، وأنها بغرض صرف أنظار المواطنين عن القتل تنص هي نفسها على القتل العمومي.

وأخيرا ينبغي الإشارة إلى أن عقوبة الإعدام هي غالبا معيار لقياس الوضعية العامة لحقوق الإنسان في البلدان المعنية حيث تبين أنها مؤشر معتمد لقيا مدى احترام حقوق الإنسان كما هو الشأن مثلا بالنسبة لوضعية المدافعين عن حقوق الإنسان.

3- البراهين المتعلقة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان

إن تطور حقوق الإنسان يظهر أن هناك اتجاه نحو إلغاء عقوبة الإعدام، حيث لا يشمل نظام المحكمة الجنائية الدولية وقرارات مجلس الأمن المحدثة للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا سابقا والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا عقوبة الإعدام في ترسانتها المتعلقة بالعقوبات رغم أن هذه الهيئات مختصة للنظر في جرائم أشد خطورة.

وقد اعتمدت صكوك خاصة دولية ووطنية تتوخى إلغاء عقوبة الإعدام من بينها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام وبروتوكول الاتفاقية الأمريكية حول حقوق الإنسان الهادفة إلى إلغاء عقوبة الإعدام (منظمة الدول الأمريكية) والبروتوكول 6 والبروتوكول الجديد 13 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان (مجلس أوروبا). وتنص الخطوط التوجيهية لسياسة الاتحاد الأوروبي حيال الدول الأخرى حول عقوبة الإعدام والتي تبناها الاتحاد الأوروبي في 29 يونيو 1998 على أنه من بين أهداف الاتحاد الأوروبي هو العمل على الإلغاء التام لعقوبة الإعدام وهو الخط السياسي المستقيم الذي تتفق حوله دول الاتحاد. فضلا عن ذلك، تتوخى أهداف الاتحاد الأوروبي إلى الحد من استعمال عقوبة الإعدام في المناطق التي مازالت تطبق هذه العقوبة كما تؤكد على أن تمارس طبقا للحد الأدنى من المعايير. ويخبر الاتحاد الأوروبي على أن أهدافه جزء لا يتجزأ من سياسته المتعلقة بحقوق الإنسان. كما ينص الميثاق الأوروبي المتعلق بحقوق الإنسان على أنه لا يجب أن يصدر حكم بالإعدام على أي شخص أو يتم إعدامه.

وعلى المستوى الدولي، ورغم أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ينص صراحة على أن عقوبة الإعدام استثناء للحق في الحياة مع إحاطتها بمجموعة من الضمانات الخاصة، فإن التعليق العام الذي اعتمدته اللجنة المكلفة بتفسير العهد يشير بكل وضوح إلى أن المادة السادسة المتعلقة بالحق في الحياة تحيل عموما على الإلغاء من خلال استعمال مصطلحات تدل على أن الإلغاء أمر محبذ... وينبغي أن يعتبر كل إجراء للإلغاء تقدما في مجال التمتع بالحق في الحياة.

بالإضافة إلى ذلك، في قراره رقم 1745 الصادر بتاريخ 16 ماي 1973، دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأمين العام إلى أن يقدم له كل خمس سنوات تقريرا تحليليا محينا حول عقوبة الإعدام. وفي قراره رقم 1995/57 الصادر بتاريخ 28 يوليوز 1995 أوصى المجلس بأن تغطي التقارير الخماسية للأمين العام كذلك تفعيل الإجراءات الضامنة لحماية حقوق أولئك الذين يواجهون عقوبة الإعدام.

وكل سنة منذ العام 1997، تدعو لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الدول التي مازالت تحتفظ بعقوبة الإعدام إلى اعتماد الوقف الاختياري لتنفيذ عقوبة الإعدام في أفق إلغائها الكلي.

وتجدر الإشارة في النهاية إلى أنه بتاريخ 8 دجنبر 1977، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة كذلك قرارا حول عقوبة الإعدام ينص على أن ""الهدف الرئيسي الذي ينبغي تحقيقه في مضمار عقوبة الإعدام هو التقييد المطرد لعدد الجرائم التي يمكن المعاقبة عليها بالإعدام مع التطلع نحو أفضلية إلغاء هذه العقوبة".

إدريس اليزمي، عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان

أعلى الصفحة